الأربعاء، 8 يونيو 2011

ملومكما يجل عن الملام... أبو الطيب المتنبى



بادٍ هَواكَ صَبَرتَ أَم لَم تَصبِرا 

هذه القصيدة قالها المتنبى بمصر وقد أصابته الحمى 


ملومكما يجل عن الملام
 ووقع فعاله فوق الكلام
ذراني والفلاة بلا دليل

 ووجهي والهجير بلا لثام
فإني أستريح بذا وهذا

 وأتعب بالإناخة والمقام
عيون رواحلي إن حرت عيني

 وكل بغام رازحة بغامي
فقد أرد المياه بغير هاد

 سوى عدي لها برق الغمام
يذم لمهجتي ربي وسيفي

 إذا احتاج الوحيد إلى الذمام
ولا أمسي لأهل البخل ضيفا

 وليس قرى سوى مخ النعام
فلما صار ود الناس خبا

 جزيت على ابتسام بابتسام
وصرت أشك فيمن أصطفيه

 لعلمي أنه بعض الأنام
يحب العاقلون على التصافي

 وحب الجاهلين على الوسام
وآنف من أخي لأبي وأمي

 إذا ما لم أجده من الكرام
أرى الأجداد تغلبها جميعا

 على الأولاد أخلاق اللئام
ولست بقانع من كل فضل

 بأن أعزى إلى جد همام
عجبت لمن له قد وحد

وينبو نبوة القضم الكهام
ومن يجد الطريق إلى المعالي

 فلا يذر المطي بلا سنام
ولم أر في عيوب الناس عيبا

 كنقص القادرين على التمام
أقمت بأرض مصر فلا ورائي
 تخب بي المطي ولا أمامي
وملني الفراش وكان جنبي

 يمل لقاءه في كل عام
قليل عائدي سقم فؤادي

 كثير حاسدي صعب مرامي
عليل الجسم ممتنع القيام

 شديد السكر من غير المدام
وزائرتي كأن بها حياء

 فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا

 فعافتها وباتت في عظامي
يضيق الجلد عن نفسي وعنها
 فتوسعه بأنواع السقام
إذا ما فارقتني غسلتني

 كأنا عاكفان على حرام
كأن الصبح يطردها فتجري

 مدامعها بأربعة سجام
أراقب وقتها من غير شوق

 مراقبة المشوق المستهام
ويصدق وعدها والصدق شر

 إذا ألقاك في الكرب العظام
أبنت الدهر عندي كل بنت

 فكيف وصلت أنت من الزحام
جرحت مجرحا لم يبق فيه

 مكان للسيوف ولا السهام
ألا يا ليت شعر يدي أتمسي

 تصرف في عنان أو زمام
وهل أرمي هواي براقصات

 محلاة المقاود باللغام
فربتما شفيت غليل صدري

 بسير أو قناة أو حسام
وضاقت خطة فخلصت منها

 خلاص الخمر من نسج الفدام
وفارقت الحبيب بلا وداع

وودعت البلاد بلا سلام
يقول لي الطبيب أكلت شيئا

 وداؤك في شرابك والطعام
وما في طبه أني جواد

 أضر بجسمه طول الجمام
تعود أن يغبر في السرايا

 ويدخل من قتام في قتام
فأمسك لا يطال له فيرعى

 ولا هو في العليق ولا اللجام
فإن أمرض فما مرض اصطباري

 وإن أحمم فما حم اعتزامي
وإن أسلم فما أبقى ولكن

 سلمت من الحمام إلى الحمام
تمتع من سهاد أو رقاد

 ولا تأمل كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى

 سوى معنى انتباهك والمنام

   بادٍ هَواكَ صَبَرتَ أَم لَم تَصبِرا وَبُكاكَ إِن لَم يَجرِ دَمعُكَ أَو جَرى 



ليست هناك تعليقات: