الأربعاء، 8 يونيو 2011

القصيدة الزينبية...صالح بن عبد القدوس



صالح بن عبد القدوس هو صالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي، أبو الفضل. وهو من شعراء الدولة العباسية كان مولي لبنى أسد. كان حكيماً متكلماً يعظ الناس في البصرة، له مع أبي الهذيل العلاف مناظرات، وشعره كله أمثال وحكم وآداب، يدور كثير من شعره حول التنفير من الدنيا ومتاعها، وذكر الموت والفناء، والحثّ على مكارم الإخلاق، وطاعة الله، ويمتاز شعره بقوة الألفاظ، والتدليل، والتعليل، ودقة القياس.
مرت أحداث في حياة الشاعر جعلته يقارن بين الأسباب كما يقارن بين النتائج؛ فيَصل إلى آراء مُحكمة مستخلصة من تجاربه وتجارب غيره. قال المرتضى: (قيل رؤي ابن عبد القدوس يصلي صلاة تامة الركوع والسجود، فقيل له ما هذا ومذهبك معروف؟ قال: سنة البلد، وعادة الجسد، وسلامة الولد!) وعمي في آخر عمره.

وفاته
اتهم عند المهدي العباسي بالزندقة، فقتله في بغداد.

فكان قتله من أكبر الطعنات التى  أصابت التاريخ العربى
رحم الله شاعرنا فقد كان موته شاهدا على الطغيان....




صرمت حبالك بعد وصلك زينب 
والدهر فيه تصرم وتقلب 

نشرت ذوائبها التي تزهو بها

سودا ورأسك كالنعامة أشيب 

وأستنفرت لما رأتك وطالما 

كانت تحن إلى لقاك وترهب 

وكذاك وصل الغانيات فإنه
آل ببلقعة وبرق خلب 

فدع الصبا فلقد عداك زمانه 
وأزهد فعمرك منه ولى الأطيب 

ذهب الشباب فماله من عودة 
وأتى المشيب فأين منه المهرب 

ضيف ألم إليك لم تحفل به 
فـترى لــــه أسفا ودمعا يسكب 

دع عنك ما قد فات في زمن الصبا 
وأذكر ذنوبك وأبكها يا مذنب 

وأخش مناقشة الحساب فإنه 
لا بد يحصى ما جنيت ويكتب 

لم ينسه الملكان حين نسيته
بل أثبتاه وأنت لاه تلعب 

والروح فيك وديعة أودعتها 
سنردها بالرغم منك وتسلب 

وغرور دنياك التي تسعى لها 
دار حقيقتها متاع يذهب 

والليل فأعلم والنهار كلاهما 
أنفاسنا فيها تعد وتحسب 

وجميع ما حصلته وجمعته 
حقا يقينا بعد موتك ينهب 

تبا لدار لا يدوم نعيمها
مشيدها عما قليل يخرب 

فأسمع هديت نصائحا أولاكها 
بر لبيب عاقل متأدب 

صحب الزمان وأهله مستبصرا 
ورأى الأمور بما تؤوب وتعقب 

أهدى النصيحة فأتعظ بمقالة 
فهو التقي اللوذعي الأدرب 

لا تأمن الدهر الصروف فإنه 
لا زال قدما للرجال يهذب 

وكذلك الأيام في غدواتها 
مرت يذل لها الأعز الأنجب 

فعليك تقوى الله فألزمها تفز
إن التقي هو البهي الأهيب 

وأعمل لطاعته تنل منه الرضا 
إن المطيع لربه لمقرب 

فأقنع ففي بعض القناعة راحة 
واليأس مما فات فهو المطلب 

وتوق من غدر النساء خيانة 
فجميعهن مكائد لك تنصب 

لا تأمن الأنثى حياتك إنها
كالأفعوان يراع منه الأنيب 

لا تأمن الأنثى زمانك كله 
يوما ولو حلفت يمينا تكذب 

تغرب بطيب حديثها وكلامها 
وإذا سطت فهي الثقيل الأشطب 

وألق عدوك بالتحية لا تكن 
منه زمانك خائفا تترقب 

وأحذره يوما إن أتى لك باسما 
فالليث يبدو نابه إذ يغضب 

إن الحقود وإن تقادم عهده 
فالحقد باق في الصدور مغيب 

وإذا الصديق رأيته متعلقا 
فهو العدو وحقه يتجنب 

لا خير في ود أمريء متملق 
حلو اللسان وقلبه يتلهب 

يلقاك يحلف أنه بك واثق
وإذا توارى عنك فهو العقرب 

يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب 

وأختر قرينك وأصطفيه مفاخرا 
إن القرين إلى المقارن ينسب 

إن الغني من الرجال مكرم 
وتراه يرجى ما لديه ويرهب 

ويبش بالترحيب عند قدومه
ويقام عند سلامه ويقرب 

والفقر شين للرجال فإنه
يزري به الشهم الأديب الأنسب 

وأخفض جناحك للأقارب كلهم 
بتذلل وأسمح لهم إن أذنبوا 

ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبا
إن الكذوب لبئس خل يصحب 

وذر الحسود ولو صفا لك مرة 
أبعده عن رؤياك لا يستجلب 

وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن 
ثرثارة في كل ناد تخطب 

وأحفظ لسانك وأحترز من لفظه 
فالمرء يسلم باللسان ويعطب 

والسر فأكتمه ولا تنطق به
فهو الأسير لديك إذ لا ينشب 

وأحرص على حفظ القلوب من الأذى 
فرجوعها بعد التنافر يصعب 

أن القلوب إذا تنافر ودها 
شبه الزجاجة كسرها لا يشعب 

وكذاك سر المرء أن لم تطوه 
نشرته ألسنه تزيد وتكذب 

لا تحرصن فالحرص ليس بزائد 
في الرزق بل يشقى الحريص ويتعب 

وظل ملهوفا يروم تحيلا
والرزق ليس بحيلة يستجلب 

كم عاجز في الناس يؤتى رزقه 
رغدا ويحرم كيس ويخيب 

أد الأمانة والخيانة فأجتنب 
وأعدل ولا تظلم يطب لك مكسب 

وإذا بليت بنكبة فأصبر لها
من ذا رأيت مسلما لا ينكب 

وإذا أصابك في زمانك شدة 
وأصابك الخطب الكريه الأصعب 

فادع لربك إنه أدنى لمن
يدعوه من حبل الوريد وأقرب 

كن ما إستطعت عن الأنام بمعزل
إن الكثير من الورى لا يصحب 

وأجعل جليسك سيدا تحظى به
حبر لبيب عاقل متأدب 

وأحذر من المظلوم سهما صائبا 
وأعلم بأن دعاءه لا يحجب 

وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة 
وخشيت فيها أن يضيق المكسب 

فأرحل فأرض الله واسعة الفضا 
طولا وعرضا شرقها والمغرب 

فلقد نصحتك إن قبلت نصيحتي 
فالنصح أغلى ما يباع ويوهب 

خذها إليك قصيدة منظومة 
جاءت كنظم الدر بل هي اعجب 

حكم وآداب وجل مواعظ 
أمثالها لذوي البصائر تكتب 

فأصغ لوعظ قصيدة أولاكها 
طود العلوم الشامخات الأهيب 

أعني عليا وأبن عم محمد
من ناله الشرف الرفيع الأنسب 

يا رب صل على النبي وآله 
عدد الخلائق حصرها لا يحسب

ليست هناك تعليقات: